خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير “المواساةُ في القرآنِ الكريمِ”
خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م : المواساةُ في القرآنِ الكريمِ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ: 17 صفر 1443هـ – 24 سبتمبر 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : المواساةُ في القرآنِ الكريمِ :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير: المواساةُ في القرآنِ الكريمِ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : المواساةُ في القرآنِ الكريمِ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : المواساةُ في القرآنِ الكريمِ : كما يلي:
أولًا: أهميةُ ومنزلةُ المواساةِ في الإسلام
ثانيًا: المواساةُ صورٌ ومجالاتٌ
ثالثًا: دعوةٌ إلى المواساةِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : المواساةُ في القرآنِ الكريمِ : كما يلي:
الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونتوبُ إليه ونستغفرُه ونؤمنُ به ونتوكلُ عليه ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا؛ ونشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ صلى الله عليه وسلم.أما بعد:
أولًا: أهميةٌ ومنزلةٌ المواساةِ في الإسلامِ
مِن أهمِّ الأخلاقِ الإسلاميةِ التي دعانا إليها الدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ خلقُ ” المواساةِ ” .
والمواساةُ: تدلُّ على المداواةِ والإصلاحِ ، يُقال: أسوتُ الجرحَ إذا داويتُه، ولذلك يُسمّى الطّبيبُ الآسيِ. ويُقال: آساهُ بمالهِ: أنالَه منه وجعلَه فيه أسوةً ؛ فالمواساةُ تعني المشاركةَ والمساهمةَ في المعاشِ والرزقِ.
ولقد كان صلى اللهُ عليه وسلم مثالًا حيًّا للمواساةِ، فعَنْ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ قَالَ:” إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِّمُونِي بِهِ، عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ “. (مسند أحمد وحسنه الأرناؤوط) .
وعلى هذا المبدأِ تخرجَ الصحابةُ الكرامُ من مدرسةِ المواساةِ المحمديةِ، فهذا أبوبكرٍ رضي الله عنه يواسي الرسولَ بنفسهِ ومالهِ، وفي ذلك يقولُ صلى اللهٌ عليه وسلم:” إِنَّ أَبَا بَكرٍ وَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ” . (البخاري) .
وما أروعَ ما أثنى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على خديجةَ -رضي الله عنها- بعد موتِها بخلقِ المواساةِ ، فَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: ” مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ ” . (أحمد وصححه الأرناؤوط ) .
وكذلك الأنصارُ في مواساتِهم للمهاجرين؛ فَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ” لَا مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ”. ( الترمذيُّ بسندٍ صحيحٍ ) .
وهكذا يَظهرُ لنا بجلاءٍ فضيلةُ وأهميةُ ومنزلةُ المواساةِ في الإسلامِ.
ثانيًا: المواساةُ صورٌ ومجالاتٌ
لمواساةِ الآخرين وتخفيفِ الآلامِ والأحزانِ عنهم عدةَ صورٍ ماديةٍ ومعنويةٍ منها :
المواساةُ بإطعامِ الطعامِ : ولا سيما في وقتِ الأزماتِ ونزولِ البلاءِ ؛ فكم مِن جائعٍ لا يجدْ قوتَ يومهِ ، ولا شكَّ أنّ إطعامَ الطعامِ من صفاتِ الأبرارِ الذين يدخلون الجنةَ . وهذه أسمى معاني الإنسانيةِ، لذلك أثنى اللهُ عليهم في سورةِ الإنسانِ فقال: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا } . ( الإنسان : 8 , 9 ) .
فالمواساةُ بالطعامِ من أعظمِ أسبابِ دخولِ الجنةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ . (مسلم). ويقولُ أيضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَفْشُوا السَّلَامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصِلُوا الْأَرْحَامَ , وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ , تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”. (الترمذي بسند صحيح).
ومنها: المواساةُ بالمالِ: فكم من مريضٍ مبتلىَ نزلَ به البلاءُ لا يستطيعُ شراءَ الدواءِ؛ فحينما تغيثُ ملهوفًا بمالِك وتفرجُ كربَه يكونُ الجزاءُ من جنسِ العملِ. يقولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. (متفق عليه).
ومنها: المواساةُ بزيارةِ المريضِ: والتخفيفِ عن آلامِه وأوجاعِه؛ وستجدُ ذلك عند اللهِ مذخورًا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ:” يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي”. ( مسلم).
ومنها: المواساةُ بالكلمةِ الطيبةِ : فإنْ كنتَ فقيرًا لا تملكُ المالَ لتواسيِ به الآخرين فعليك بالكلمةِ الطيبةِ، فهي سلاحٌ قويٌّ؛ لذلك عدَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم طيبَ الكلامِ من الصدقاتِ حيثُ قال: « وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» ( متفق عليه) . قال ابنُ بطالٍ :” وجهُ كونِ الكلمةِ الطيبةِ صدقة أنّ إعطاءَ المالِ يفرحُ به قلبُ الذي يُعطاه ويذهبُ ما في قلبِه، وكذلك الكلامُ الطيبُ فاشتبها من هذه الحيثيةِ”. ( فتح الباري) .
ومنها: المواساةُ بقضاءِ الحوائجِ: فقد يكونُ صاحبُ البلاءِ والشدةِ معزولًا عن الآخرين خشيةَ الضررِ والضرارِ؛ فعليك قضاءَ حاجتِه وحاجةِ أسرتهِ مواساةً للجميع ؛ وفي ذلك يقولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ ، أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ “. ( ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، بسند حسن). ويقولُ أيضًا:” وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم). يقول الإمامُ النووي: ” فيه فضلُ قضاءِ حوائجِ المسلمين ونفعِهم بما تيسرَ من علمٍ أو مالٍ أو معاونةٍ أو إشارةٍ بمصلحةٍ أو نصيحةٍ وغيرِ ذلك، وفضلُ السترِ على المسلمين، وفضلُ إنظارِ المعسرِ.” (شرح النووي على مسلم) . ويقول الحسنُ البصريُ رحمه الله: ” لأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبُّ إليَّ منْ أنْ أصلي ألفَ ركعةٍ، ولأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكفَ شهرين”.
ومنها: المواساةُ بالدعاءِ: فصاحبُ البلاءِ في أمسِّ الحاجةِ إلى دعوةٍ خالصةٍ تكشفُ همَّه وغمَّه؛ وتزيلُ كربَه؛ فأكثرْ له الدعاءَ في غيبتهِ وحضورهِ ؛ ومن فضلِ اللهِ عز وجل في أمرِ الدعاءِ؛ أنك لو دعوتَ لأخيكَ في اللهِ بظهرِ الغيبِ فإنّ اللهَ يستجيبُ لك ويُعطيكَ مثلَها؛ فعن أُمَّ الدَّرْدَاءِ َقَالَتْ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ؛ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ »( مسلم )؛ وهذا بلا شك يزيدُ في المحبةِ والتوادِ والتراحمِ بين أفرادِ المجتمعِ.
ومنها: المواساةُ بجبرِ الخاطرِ: ومن أشهرِ مواضعِ جبرِ الخواطرِ في القرآنِ الكريمِ ، الآياتُ التي نزلتْ في حادثةِ الإفكِ، في شأنِ السيدةِ عائشةَ رضي اللهٌ عنها؛ فقد دخلتْ امرأةٌ من الأنصارِ على عائشةَ وبكتْ معها كثيرًا دون أنْ تنطقَ كلمةً. قالت: عائشةُ لا أنساها لها . وعندما تابَ اللهُ على كعبِ بن مالكٍ؛ بعدما تخلفَ عن غزوةِ تبوكٍ، دخلَ المسجدَ مستبشرًا؛ فقام إليه طلحةُ يهرولُ واحتضنَه؛ قال: لا أنساها لطلحة. (والقصتان بتمامهما في البخاري ومسلم). فمواقفُ المواساةِ وجبرِ الخواطرِ في لحظاتِ الانكسارِ لا تُنسىَ .
هذه صورُ المواساةِ الماديةِ والمعنويةِ ؛ فعليكم بالاجتهادِ فيها؛ ومن لم يستطعْ أنْ يقدمَ أيَّ صورةٍ من هذه الصورِ ؛ فعليه بالتوجعِ لأصحابِ الشدةِ والبلاءِ والوباءِ، وأفضلُ شاهدٍ على ذلك: أنّ سيدنَا عمر في عامِ المجاعةِ خاطبَ بطنَه قائلًا: قرقرْ أيها البطنُ أو لا تقرقرْ, فو اللهِ لن تذوقَ اللحمَ حتى يشبعَ منه صبيةُ المسلمين!!
ثالثًا: دعوةٌ إلى المواساةِ
أيها الإخوةُ المؤمنون: عليكم بالتعاونِ والبرِ والمواساةِ في هذه الأيامِ ؛ فما أحوجَ المرضىَ والمبتلين والمحزونين والمكروبين إلى الودِ والعطفِ والمواساةِ، ولنا القدوةُ في الرسولِ صلى الله عليه وسلم وصحابتِه الكرامِ في سبقهِم إلى هذه المعاني الإنسانيةِ؛ فهذا عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه الذي يسعى لخدمةِ العجزةِ والأراملِ والمقعدين ومواساتهِم وقضاءِ حوائِجهم: فقد روى أبو نُعيم في «حلية الأولياء» أن عمرَ بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرجَ في سوادِ الليلِ فرآه طلحةُ، فذهبَ عمرُ فدخلَ بيتًا ثم دخلَ آخرَ، فلما أصبح طلحةُ ذهبَ إلى ذلك البيتِ فإذا بعجوزٍ عمياء مقعدةٍ، فقال لها: ما بالُ هذا الرجلِ يأتيكِ؟ قالت: أنه يتعاهدُني منذُ كذا وكذا يأتيني بما يصلحنيِ، ويخرجُ عني الأذى، فقال طلحةُ: ثكلتكَ أمُّك يا طلحة أعثرات عمر تَتَّبع؟!
وقد ذكروا أن عليًّ بن الحسين كان كثيرَ الصدقةِ بالليلِ، وكان يقولُ: صدقةُ الليلِ تطفئُ غضبَ الربِّ، وتنورُ القلبَ والقبرَ، وتكشفُ عن العبدِ ظلمةً يومَ القيامةِ، وقاسمَ اللهُ تعالى مالَه مرتين. قال محمدٌ بن إسحاق: كان ناسٌ بالمدينةِ يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطِيهم؟!! فلما ماتَ عليٌّ بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتِيهم في الليلِ بما يأتِيهم به؛ ولما مات وجدوا في ظهرِه وأكتافِه أثرَ حِمل الجرابِ إلى بيوتِ الأراملِ والمساكين في الليلِ مواساةً لهم.
ولقد امتدحَ الرسولُ – صلى الله عليه وسلم- الأشعريين وأضافَهم لنفسهِ تشريفًا لهم لأنهم يتحلون بأفضلِ الصفاتِ وفي مقدمتِها خلقُ المواساةِ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ”. (متفق عليه) . ( ومعنى أرملوا : نفذَ زادُهم ) يقول العيني: ” فيه منقبةٌ عظيمةٌ للأشعريين من إيثارِهم ومواساتهِم بشهادةِ سيدنا رسولِ الله وأعظمِ ما شرفُوا به كونُه أضافَهم إليه ….وفيه فضيلةُ الإيثَارِ والمواساةِ”. (عمدة القاري).
فأنت ترى من خلالِ هذه النصوصِ أنّ المسلمين كلهم كالفردِ والجسدِ الواحدِ، تسعدُ الأعضاءُ كلُّها بسعادتِه وتحزنُ لحزنِه، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” . (مسلم).
فعلينا أن نتكافلَ وأن نتعاونَ ؛ ولا سيما في ظلِّ ظروفِ هذا الوباءِ والبلاءِ ؛ وعلى الأغنياءِ أنْ يُسرعوا في إخراجِ زكاةِ أموالهِم لإنقاذِ حياةِ المصابين بفيروس كورونا ؛ وما يحتاجونًه من علاجٍ ونفقاتٍ واسطواناتِ أوكسجين؛ فهذ داخلٌ في مصارفِ الزكاةِ؛ وإذا لم تَقُمْ الزكواتُ بذلك يفرضُ على الأغنياءِ بما يسدُّ حاجةَ المرضي والمصابين مواساةً لهم . قال ابن حزم:” وفرض على الأغنياءِ من أهلِ كلِّ بلدٍ أن يقوموا بفقرائِهم، ويُجبرهُم السلطانُ على ذلك، وإنْ لم تَقُم الزكواتُ بهم، ولا في سائرِ أموالِ المسلمين بهم، فيقامُ لهم بما يأكلون من القوتِ الذي لا بدَّ منه، ومن اللباسِ للشتاءِ والصيفِ بمثلِ ذلك، وبمسكنِ يكنهُم من المطرِ والصيفِ، والشمسِ وعيونِ المارةِ ” . ( المحلى) .
فما أجملَ أن نكونَ جميعًا متعاونين متكافلين؛ فتسودَ بيننا علاقاتُ الودِّ والمحبةِ والتراحمِ والتكافلِ والمواساةِ!
نسأل اللهَ أن يجعلَ هذا البلدَ آمنا مطمئنًا متعاونًا متكافلًا وسائرَ بلادِ العالمين!!!
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف